جعفر عبد الكريم الخابوري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


١٩٧٠م
 
الرئيسيةاليوميةأحدث الصورس .و .جبحـثالأعضاءالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
جعفر الخابوري
Admin
جعفر الخابوري


المساهمات : 66
تاريخ التسجيل : 17/05/2023

مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري  Empty
مُساهمةموضوع: مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري    مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري  I_icon_minitimeالأربعاء مايو 17, 2023 7:38 pm

▪غاية الإستقامة رغم المحنة.

يروي السّيّد الشّهيد الصّدر قدّس سرّه -في بعض محاضراته- محنة ابن أبي عُمَير، يقول:

هذا هو الكيان (يقصد الحوزة العلميّة) الذي تسرّبت في كلّ أرجائه الآلام التي عاشها محمّد ابن أبي عُمَير في سبيل إنشاء هذا الكيان، ومئات من أمثال محمّد ابن أبي عُمَير من أصحاب الأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام، الذين عاشوا ألوان المحنة والاضطهاد وألوان البلاء في سبيل ترسيخ بذور هذا الكيان.

محمّد ابن أبي عُمَير على سبيل المثال هو ذاك الشّخص الذي استطاع أن يصمد -لا أمام خوف نفسيّ (فقط)- بل أمام تعذيب خارجيّ، وجّهه عليه أعظم سلاطين العالم في ذلك الوقت. (يقصد هارون العبّاسي)

استُدْعِيَ من قِبَل جهاز ذلك السّلطان وكُلّف بأنْ يشي بالشّيعة -لأنّه كان من مشاهير فقهاء الشّيعة- قيل له: أنت تعرف أسماء الشّيعة، أذكرْهم لنا وأنت بخير.

إمتنع محمّد ابن أبي عُمَير، وبقي يكرّر بأنّي أعرف من الشّيعة محمّد بن أبي عُمَير ومحمّد ابن أبي عُمَير. قالوا: وبعد مَن؟ قال: ومحمّد ابن أبي عُمَير. قالوا: وبعد؟ قال: ومحمّد ابن أبي عُمَير!

فأُمِرَ به، فضُرِب حتّى أُغمِيَ عليه. قال -عليه رضوان اللّٰه: في حالة هذا الضّرب صارت عندي لحظة ضعف، حاولتُ أن أنطق، حاولتُ أن أذكر أسماء جملة من الأصحاب ومن الأخوان من تلامذة مدرسة الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام)، فتمثّل أمامي شيخي (حمران) -وكان حمران ميّتاً وقتئذ- تمثّل أمامي وفي مخيّلتي شيخي وهو يقول لي: يا محمّد! إيّاك أن تنطق بكلمة ولو متّ تحت السّياط!

يقول: فاستعدتُ رباطة جأشي وقوّتي وحولي وطَولي، وصمّمتُ على أن لا أنطق مهما كلّف الأمر.

حُمل هكذا إلى بيته بعد أن عجز الآخرون عن استنطاقه، ثمّ صُودِرتْ أملاكه، صُودِرتْ أمواله، كان بزّازاً (أي بائع أقمشة) تاجراً واسع النّطاق في الثّراء والمال، وأصبح بين عشيّة وضحاها إنساناً فقيراً لا يملك شيئاً من الأموال، يجلس في شرفة بيته، يشتغل برواياته وأحاديثه.

قصّة نهب داره هي القصّة التي جعلتنا نخسر كثيراً من أسانيد روايات ابن أبي عمير. يقولون: إنّ السّبب في أنّ أكثر روايات هذا الرّجل العظيم كانت مراسيل (الرّواية المرسلة في اصطلاح الفقهاء هي الرّواية التي لم يُذكر فيها أسماء جميع رجال سندها المتّصل بالمصدر الأوّل) هو أنّ كتب هذا الرّجل العظيم كانت في جملة الأموال التي نُهبتْ وصُودِرتْ من بيته من قبل الآخرين، ولهذا بقي ينقل ما علق بذهنه، وكان لا يحفظ الأسانيد في كثير من الأحيان فكان يُرسِل، ولهذا كانت روايات ابن أبي عُمَير أكثرها مراسيل.

يجلس في الشّرفة، ويشتغل بالرّوايات التي عرفها وهو لم يشعر بنوع من الإنهيار، كان لا يزال أقوى ما يكون صموداً وثباتاً واستبسالاً واعتقاداً بأنّ خطّ الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام) هو الخطّ الصّالح الذي يجب على الإنسان -لكي يكون إنساناً صالحاً- أن يواصل باستمرارٍ فيه، والبذل له، والعطاء له بقدر ما يمكنه.

لم تجعله هذه المحنة يتململ، يتزعزع، ينحرف قيد أنملة عن وصايا وتعليمات الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام).

جاءه شخص عميل (زبون) له من عملائه الذين كانوا يشترون منه الأقمشة حينما كان تاجرا، وكان عليه ديْنٌ قد بقي في ذمّته لمحمّد ابن أبي عُمَير، وكان يتقاعس عن الوفاء (أو لم يكن قادراً على الوفاء)، حينما بلغه أنّ محمّد ابن أبي عُمَير وقع في محنة مصادرة أمواله وأملاكه، جاء إليه ليقدّم إليه المبلغ من المال -ولا أتذّكر كم كان- قدّم بين يديه المبلغ وقال له: أعذرني يا شيخي إن كنتُ قد تأخّرتُ حتّى الآن في تقديم هذا المبلغ، لأني كنتُ مُعسِرا، ولمّا سمِعتُ بأنّك قد صُودِرَتْ أملاكك ووقعْتَ في ضائقة، قرّرتُ أن أبيع داري ثمّ أقدّم بين يديك حقّك، لكي تستعين به على أمور دنياك.

ماذا قال له هذا الفقيه الصالح؟ ماذا قال هذا الإنسان الذي يمثّل نتاج مدرسة الإمام جعفر بن محمّد الصّادق؟ قال له: سمعتُ من أشياخي عن الإمام جعفر (عليه السّلام) أنّه يقول: (لا يُباعُ دارُ سَكَنٍ في وفاء دَيْن)، خُذْ هذا المال إليك واللّٰه خير الرّازقين!

إذن، فهو -في قمّة المحنة- لم يشأ أن ينحرف قيد أنملة حتّى عن التّعاليم والوصايا الأخلاقيّة التي ذكرها الإمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السّلام)، فإنّ قوله (لا يُباع دار سكن في وفاء دَيْن) إنّما يعني أنّه لا يجبر الدّائن المَدين على بيع دار سكنه، أمّا إذا تبرّع المَدين بأن يبيع دار سكنه، فيجوز شرعاً للدّائن أن يأخذ مال الوفاء، ولكنّه مكروه.

هذا المفهوم الشّرعيّ للكراهة جعل هذا الإنسان المُمتحَن يقف في هذه اللّحظة موقف الإباء والتّمنّع، لأنّه لا يريد الحياة إلّا لكي يضرب المثل الأعلى للإنسان المسلم في أخلاقه وسلوكه وسيرته.

هذا الكيان (الذي تمتلكه الحوزة العلميّة اليوم) هو الكيان الذي انبثّتْ فيه آلام محمّد ابن أبي عُمَير، ومئاتٍ من أمثال محمّد ابن أبي عُمَير.

🖋️ ضمن سلسلة محاضرات المحنة للسّيّد الشّهيد محمّد باقر الصّدر رضوان اللّٰه تعالى عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sggfhiinvvfyy555.ahlamontada.com
 
مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري
» مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جعفر عبد الكريم الخابوري :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: